مقال

التغيرات المناخية والأحوال المزاجية

بواسطة
في
سبتمبر 30, 2022

فى تقرير صدر مؤخرًا عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، ونُشر فى فبراير من هذا العام، كشفت فيه الهيئة أن التغير المناخى، الذى يتزايد بسرعة، يشكل تهديدًا متصاعدًا للصحة النفسية والعافية النفسية الاجتماعية، من التوتر إلى القلق والاكتئاب والضيق والسلوك الانتحارى.

تغيرات المناخ حديث العالم اليوم، وقمته ستُعقد قريبًا فى بلادنا. إن التغيّر الحاد فى صورة سيول وفيضانات عنيفة، كالتى حدثت مؤخرًا فى باكستان، يؤثر على الإنسان ككيان ووجود وجسد ونفس، ويؤدى فى بعض الحالات إلى حالات مُزمنة من كرب ما بعد الصدمة، إن الحرائق التى تأكل الغابات وخيرات الحقول وتدمر الأشجار، وتأكل الأخضر واليابس، لتُفقد بلادًا مساحات خضراء وثروات لا تُقدر بمال.

إن فقدان بيتك وعملك وربما من تحبهم يعد كارثة بكل المقاييس، إن ذلك العنفوان المناخى يؤدى إلى سلوكيات عنيفة، وحالة دائمة من الغضب وازدياد حالات العنف المنزلى، وقد تؤدى حدة تلك التغيرات أحيانًا ببعض الأشخاص إلى إدمان الكحول والمخدرات.

هناك من هو هَشّ، خاصة الأطفال وكبار السن والمرضى المزمنين، ومحدودى الحركة والتواصل كمرضى الشلل النصفى والرباعى وألزهايمر، والفصام المزمن شديد الوطأة واضطراب الوجدان ثنائى القطب، كما أن الفقراء واللاجئين والمشرَّدين تكون حالتهم أسوأ، فى ظل عجز السلطات عن تقديم يد العون والمساعدة.

إن من ينتظمون على العلاج النفسى بالعقاقير تؤثر فيهم درجات الحرارة العالية سلبًا، ويضطرون إما لمحاولات التأقلم، أو الوقوع فى شرك الاضطراب العنيف.

إن البنية التحتية والخدمات الصحية الطارئة، وتوافر العلاج المناسب لكثير من الحالات الحرجة، مثل نوبات الصرع المتكررة والمستمرة، وحالات الهياج الشديدة ومحاولات الانتحار، ومحاولات قتل الآخرين فى ظل فوضى عارمة حيث كل شىء قد دُمِّر ودفع الجميع إلى حافة اليأس، كما أن اضطراب النظام العام يؤدى إلى اضطرابات فى الهوية، وفى عمل الدماغ.

أما فى الأحوال العادية فنحن أمام تغيّر الفصول الأربعة، وهنا برز تشخيص «اضطراب الوجدان الموسمى» SAD وهو إما أن يكون اكتئابًا أو قلقًا وخوفًا أو أعراضًا أخرى قد تكون هوسًا تحدث فى نفس الوقت للمُصاب كل سنة، وهى إما خفيفة أو شديدة، ومن أعراض هذا الاضطراب الإحساس بفقدان الهمّة والطاقة نهارًا، وفقدان الشغف لأى شىء، مع اضطرابات فى النوم، واشتهاء النشويات والحلويات بنهم، وصعوبة التركيز والإحساس بعدم القيمة والإحساس المُضخَّم بالذنب، وعدم الرغبة فى الاستمرار بالحياة.

حيث بحلول الخريف والشتاء يهاجم الاكتئاب المُعرَّضين له، بحالات من الهروب إلى النوم لساعات طويلة، وفقدان الشهية للطعام ونقص الوزن، مع الهياج العصبى.

أما الأشخاص المصابون باضطراب بالوجدان ثنائى القطب Disorder Bipolar Affective فتنتابهم نوبات الفرح اللامنطقى والتبذير واللاعقلانية فى معظم السلوكيات إن لم يكن كلها، وليس هناك من سبب واضح لذلك، لكن اضطراب الساعة البيولوجية وتغير ساعات النهار بضوئه وشمسه وغيومه وطول ساعات الليل يُعَدّ سببًا رئيسيًا.

إن ثمة اضطرابًا فى المواد الأساسية المكوّنة لنشاط المخ وكيميائه، منها نسبة الميلاتونين، وهنا يجب الحذر لمن لديه تاريخ مرضى سابق، أو عامل وراثى عائلى قوى، ولمن يعيش فى مناطق طقسها مختلف، مثل كندا، حيث إن الشتاء يمتد إلى 9 أشهر أحيانًا، ويؤدى الاضطراب إلى العزلة الاجتماعية، ومشاكل فى العمل أو الدراسة، واحتمالات اللجوء إلى المُنشطات أو المُكيفات، لذلك تتوجَّب الملاحظة الدقيقة لهؤلاء مضطربى المزاج الموسميين، والعلاج بالتعرض للضوء، فهناك كشافات طبية تم اختراعها بلمبات مُخصّصة لهذا الغرض تحاكى ضوء الشمس، كما أن للعلاج النفسى التدعيمى دورًا كبيرًا فى العلاج والوقاية، ومساندة كافة أفراد أسرة المريض.

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات