مقال

فلنُرَمِّم القلب المُنكَسِر.. سويًا

بواسطة
في
أكتوبر 21, 2022

يعودنى فى العيادة كثير من المرضى يشكون من ضربات قلبٍ سريعة وعَرَق غزير وإحساس مُرعب بدنوّ الأجل، وكأن نوبةً قلبية مميتة قادمةً لا محالة، وأنت «بعد الشر عليك» لا تتمكَّن من التفكير، وعندما تخرج من طوارئ أى مستشفى، يخبرك الدكتور بأنك على ما يرام وما عليك سوى الذهاب إلى الفراش، والنوم نومًا عميقًا.. لكن ما الذى حدث؟ توتر؟ قلق؟ هلع؟ متلازمة القلب المنكسر؟ تعرُّض قلبك لهزة عنيفة؟ هجر الحبيب؟ طلاق لا قدر الله، خسران وظيفة، فقد لمال، فقد لعزيز، أو فقدان لعضو من أعضاء جسدك، أو خلاف عائلى مدمر، رغم أنه أحيانًا تكون الدنيا حلوة والناس مبسوطة ومتفاعلة مع بعضها البعض، وترى حبيبين يمسكان بيد كل منهما، وأسر تتمشى وتضحك وأنت وكأنك لا تعيش فى هذا العالم ولا تنتمى إليه.

فى 29/9/2022 اليوم العالمى للقلب، نتعرف فيه على أعراض «متلازمة القلب المُنكسر Broken Heart Syndrome»، شبيهة جدًا بأعراض الذبحة الصدرية، فى صعوبة التنفس، وآلام فى كل جسمك، وعدم القدرة على التركيز، لكن الدكتور أخبرك بأن كل فحوصاتك سليمة، وبأنك لا تعانى من نوبة قلبية، وأنك فى حاجة لأن تبوح وتتداعى وتتأمل، ربما تمُر بأزمة «فقد» توجع قلبك، أى أن نفسك منهكة ودماغك منشغل، وانفعالاتك ومشاعرك تفيض دموعًا وصمتًا وكلمات فى كل مكان وزمان، وتدور فى ذهنك كل الأحداث والرؤى والأماكن والمحادثات الهواتف واللقاءات والهدايا والكلمات المؤثرة كشريط سينمائى، لكن هل تعانى من نوبة قلبية؟ ربما؟ الدكتور قال لا؟ لكن هناك حَدَث حياتى هاجم قلبك وكسَرَه وفتَّتَه ولم يرحمه، ويبدأ الحزن والندب واللوم وتأنيب الضمير والإحساس المضخم بالذنب دونما سبب، إنها الصدمة والضغوط والمفاجأة والحسرة، تترجم داخلك فى عضلاتك وجهازك العصبى والنفسى، فى مخك وصدرك وظهرك ولسانك، وفى قلبك الذى لا يكف عن الضخ والأنين.

وقد تذهب إلى إجازة كنت فيها مع طليقتك أو خطيبتك وتبدأ فى اجترار الذكريات، حوارك الداخلى ينبئك أنها الضغوط الـ STRESS الألم النفسى، إنها الذكريات الحلوة بطعم المر، حاول تكتب خواطرك على الموبايل أو الورق كنوع من البوح. هناك تقنية فى العلاج النفسى الدرامى تسمى «الكرسى الخالى Empty Chair» المكان الذى كان يملأه من كان، وكان يملأُ عليك الدنيا، إنه الخواء العالى الصوت وقد تحول فجأة إلى بكاء أو صراخ؟ هل رحَلَت عن الدنيا شريكة العمر، هذا حال الدنيا، لكنها الدنيا لا تساوى الآن جناح بعوضة؟ لا.. عندك أولادك وحياتك وعملك ونفعك للدنيا، وأنت ذكى وحساس، وهؤلاء هم من يقعون فريسة الصدمات والآلام النفسية والمفارقات، وما هو مفاجئ وغير متوقع، وأيضًا ما هو متوقع، لكن حدوثه شىء وتوقعه شىء آخر.. لا تفزع ولا تخف، اطمئِن، الكرسى الخالى بلا حدود وبلا مكان وبلا قواعد، ربما أنت لا تريده هنا، ولا تريد لأحد أن يجلس عليه.

إن التعافى من حسرة القلب يبدأ دائمًا بقرار، فلتُصَمِّم على المُضى قُدُمًا، وكافح ليظل عقلك حيويًا وقلبك نابضًا بالحياة.

«القلب المُنكسِر» قد يقتلُك معنويًا إذا سمحت له بذلك، وإذا لم تستجمع قوتك وبأسك، وإذا تصحرّت روحك وأصبحت بلا ماء أو خضرة أو غيمة تظللها؛ فسيتمكّن منك العجز النفسى، هكذا هى الحياة، لا تستخدم حيلة الإنكار شعوريًا أو لا شعوريا.. انهض واكشِف الحقيقة وواجهها، لمْلِم جُزئيات نفسِك واحمِها، وابدأ فى رسم الحدود وتحديد اتجاهك وتوجهاتك ببوصلة العقل قبل القلب المُرهَق، حرِّك جسمك، تمشَّى، تحرَّك فى بيتك وحوله، حاول تتنزه وابحث عما يفرحك حتى لو كان قليلًا، حاول أن تقرأ وتستمع إلى موسيقى مُحدَّدَة، اخرج من قوقعتك وافتح صدرك للهواء وعينيك للأشجار والزهور، تنفَّس من بطنك فى عمق، وأخرج الهواء من فمك، مُحمَّلًا بأى أسى حدّدَ اختياراتك، عُد إلى عملك، أشغِل وقتك، اضحك من قلبِك، حاول، وتدرَّب على ذلك، السباحة تفيد النفس والجسم جدًا إذا استطعت، لا مجال للاستغناء عن النوم الكافى والمُشْبِع، لا تفرِط فى التدخين أو القهوة أو غيرهما؛ فإن تلك المشروبات تزيد الطين بلَّة؟ استشر حكيمًا، حاور صديقا، واستلقِ على ظهرك على الحشائش فى شمس الخريف الحنونة، وكن نفسَك وطوِّرها وافهمها، وأعطِها ذخائر النفوس من صدقٍ وحُب ومعرفة، تعطيك أجمل ما فيها..

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات