مقال

سيرة الحُب

بواسطة
في
أكتوبر 28, 2022

إن مشاعر الحب العنيفة قد تجعلك تفقد رأسك أو عملك أو مالك أو أسرتك أو مستقبلك، وبغض النظر عن كيفية الوقوع فى الحُب، يتفق معظم الناس على أن ذلك كان أكثر تجربة مُبهجة ومثيرة، تجربة للمشاعر المُتناقضة فى حياتهم، مما يجعلهم وهم منتشون بحالة الغرام تلك، أن يتمنّوا الوقوع فى شركها مراتٍ ومرات، خاصةً بعد انتهاء إخضاع التجربة ككل للعقل والمنطق، على الرغم من كل آلام الفراق والهَجر، وإدراك أنها حالة عاطفية محفوفة بالمخاطر، ومُحاطة بالكثير من الغموض، وبتلك الرغبة المحمُومة لكشف ستره، ويمكننا القول بأن الوقوع فى الحب هو أحد أكثر التجارب الإنسانية جاذبية وإرباكًا وإغراءً وخطورةً، وليس هناك من البشَر من هو محصنٌ ضدّها.

إن الانسياق وراء ما يشبه حالة من الحُلم، وكأنك بين النوم واليقظة، تنتابك مشاعر مختلطة ما بين الخوف من الرفض، إلى الرغبة فى الاستمرار اللانهائى، وكأنه تلك النشوة المقرونة بالتوتر والقلق، واختبار المشاعر، يجعل الأمر برمِّته محفوفًا بالمخاطر.

لكن ما الذى يكمن وراء تلك الحالة، حيث يفقد المُحبُ والمحبوب توازنهما ويسقطان رأسًا على عقب، مما قد يؤثر سلبًا على حياتهما ومستقبلهما، وازدياد المخاطر بسماع كل الحكايات المُرعبة والتى انتهت بجان وضحية أو قاتلٍ ومقتول، ومدى الانتهاك للخصوصيات فى غمرة العشق والهوى، فى خِضَم وسائل التواصل الاجتماعى المفتوحة على كل الاحتمالات.

المسألة ليست من أول نظرة، لكنها تكون فى أحوالٍ كثيرة مع شخص يشاركك اهتماماتك ونسقك الثقافى، وبالطبع الكيمياء والجاذبية الجنسية، التى غالبًا ما تثير الانتباه للوهلةِ الأولى، ثم يكتشف أحد طرفى العلاقة مدى تفاهة الآخر، ومدى التباين الثقافى وهوة التفاهم الذهنى، وقد يكون الأمر محصِّلة لساعات طويلة من العمل معًا، والبوح المتبادل، وهذا شديد الخطورة خاصة إذا كان طرفا العلاقة متزوجين من آخرين.

وقد يكون الطلاب بخبرتهم الحياتية المحدودة واندفاعهم وربما انعدام إحساسهم بالأمان، الأكثر عرضة للوقوع فى الحب هكذا.. من أول نظرة وبدون مُقَدِّمات.

ما أقسى الأعراض النفسية لمشاكل الوقوع فى الحب والرفض والشك، فقد تبدأ بتوتر عابر يتصاعد ليصل إلى أعلى مراحل الانهيار النفسى، والوقوع فى مأزق العجز المُكتسب، وفقدان الأمل فى كل شىء، وكأن عالمك كله أصبح مرهونًا باستمرار تلك العلاقة، وربما هذا الزواج مع سقوط كل أركانه، ولو بعد عشر سنوات مثلًا.

إن هناك علامات وظواهر جسدية تدل على حالة توتر العشق بتقلباته الرومانسية؛ فتُحِس بأنك تسقط دون أن تدرى فى دوامة العواطف؛ فيزداد معدل ضربات قلبك، ويندفع الأدرينالين فى جسدك وتزيد نسبة هرمون الضغط النفسى Stress الكورتيزون، الذى يؤدى إلى اضطرابات نفسيجسدية مثل الإكزيما العصبية والذبحة الصدرية الكاذبة.

أشار العالم النفسى الشهير كارل يونج إلى أن الطفل بداخلك لا يزال فى حاجة إلى حنان والديه، وهنا مكمن الخطر لأن زوجتك ليست أمك، إنها امرأتك وشريكتك، وأنت لست أباها ولا يمكنك لعب دوره، لكنكما تُكملان بعضكما البعض.

إن ثمة هاجسًا بتلك الحالة من الحب والهجر، رصَدَها الشعراء ومؤلفو الأغانى لآلاف السنين، وهم يعبّرون عن «حسرة القلب» وكأنها حالة توقف عن الحياة، وحالة من الحزن الشفيف بعد فقدان شريك العمر.

والسؤال المُهم والذى لا يأتى على بال أحد، لأن تلك المشاعر تتولد فجأة، لكن هل أنت مُستعد للحب ومسؤولياته، هل تهرب من مشاكلك النفسية بأن تكون فى علاقة، هل باكتمال التفاهم ستتكوّن الشراكة المأمولة التى ستُتوّج بالزواج؟ هل تدرك أن ما قبل الزواج غير ما بعده، هل ستُضحِّى لتحقيق علاقة متناغمة طويلة الأمد؟.

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات