مقال

«الإسفنج العاطفى» و«المتعاطف الخبيث»

بواسطة
في
نوفمبر 11, 2022

الشخص المشارك مشاعر الآخر ويحسّ به وينتعل حذاءه يسمَّى Empath.. هل أنت كذلك؟ هل تهتمُّ عميقًا بمشاعر من حولك؟ هل ترى نفسَك ويراك الآخرون إنسانًا حساسًا؟ هل تمتَصّ ما حولك من مشاعر مليئة بالغبطة، فتدمع عيناك لمرأى عروسين سعيدين، وتتألّم حتى يوجعك قلبك فتُصبح مثل «الإسفنج العاطفى»؟!.

يبدو أنك لا تملك سبل الوقاية من المثيرات الاجتماعية عالية الصوت، تلك الاضطرابات والمشاعر الفيّاضة، تلك التى تضغط عليك بشكل لا تحتمله.. ربما صوت المذيع المُتَشَنِّج، وضجيج الشارع بكل ما فيه من صخب كأبواق السيارات، ومناداة رجل «الروبابيكيا» المستمرة، والاجتماعات الحاسمة مع مديرك أو شريكك، أو صياح أولادك، أو سماع الأخبار المُقلِقَة حول العالم كالحروب والمجاعات، سيكون كل ذلك عبئًا على حسِّك المُرهف وكيانك المُفرط فى حساسيته.

قد تأخذك الأمور خطوةً إلى الأمام، وهذه مشكلة، فلقد أصبح لديك همّك وهمّ الآخرين، وكذلك أفراحهم وتفاصيل حياتهم سلبًا وإيجابًا، مما يُلقى على كاهلك بحملٍ ثقيل، حتى لو كان ذلك جزءًا من تجربتك الخاصة.. بعبارةٍ أخرى، يصبح ألم الآخر ألمك، وسعادته وسعادتك، وهذا كثير جدًا.

لكن هل أنت مجرد شخص حساس أو Empath؟!.. الحساس حسّاس لكل شىء، دمعته قريبة، وشاعرى، وعالمه الداخلى غنىّ، وجسده حسَّاس للأدوية وبعض الأطعمة؛ لكن من غير أكليشيهات أنت إنسان مرئى ممن حولك فى أى مكان تحلّ به، لكن عليك أن تتوخى الحذر، لأن دماغك وجهازك العصبى يستقبل بحساسية بالغة ما حوله بالحواس الخمس وبالإدراك والفهم والتفاعل بالفعل ورد الفعل.

المهم يبدو أنك مستمع جيد.. لذا يلجأ إليك الآخرون ليفرغوا جُعبة مشاكلهم عندك، وأنت لا تتمكن من إيقافهم إذا صار الأمر غير محتمل.. وهنا مربَط الفرس لأنه لازم ولابدّ أن تخبرهم بألطف الطرق إنه «كفاية».. ولا تقُم بذلك من منطق العجْز أو قلّة الحيلة بل من باب توكيد ذاتك وحماية نفسك من أن تُصبح مَصبًا لآلام الآخرين.. وأؤكد هنا شعارى: «الأنانية الصحية والصحيحة»، أى راعِ نفسك دون أن تجور على حق الآخرين.

مضطر أن أدخل إلى عالم الإكليشيهات؛ فهناك مصطلح Dark Empath أى المُشارك الخبيث، ذلك الذى يجمع بين مهارة المشاركة الوجدانية، وسمات «الثالوث المظلم»، الذى يجمع بين الشخصيات النرجسية: «حب النفس»، والميكافيلية: توظيف «مبدأ الغاية تبرر الوسيلة» مما يسمح بالمَكْر، والسيكوباتية: «الاعتلال النفسى والاجتماعى».

المُشارك الخبيث يتفاعل معك على مستوى العقل فقط، لكنّه فى أعماقِه لا يأبه بك ولا بمشاكلك أو أفراحك، فيُهيَّأ لك أنه مُهتَم وربما مخلص يودّ مد يد العون، لكن ستظلّ هناك مسافة بينه وبينك، وهو يقرّك ويعرفك جيدًا، مما قد يسمَح له بالتلاعب بمشاعرك أو استغلالك ماديًا مثلًا.

إن أغلبهم لا يحملون أسلحة، لكنهم من ذوى الياقات البيضاء، لهم منصات وأقلام ومُكبِّرات صوت وحسابات وفيديوهات وبدلات أنيقة، وأخطرهم الأكبر يكون فى مجال العمل، حيث يصطادون فى المياه العكرة؛ فيستغلّون مواقف الضعف الإنسانى، وانعكاسات أزمات البيت على الشغل، ويتسللون إلى إدراكك وتفكيرك بما قد يضُرُّك.

خلاصة القول علميًا، أنه لا يوجد دليل علمى واضح على أن الـ Empath موجود، لكن احذر المتعاطف الخبيث، وأدرِك أن هناك شخصًا شديد الحساسية وسريع التأثر، سريع البديهة وقادرا على رؤية الأمور بتفاصيلها، مما يتسبب فى حالة من الإرهاق الذهنى والبدنى، وغارق فى حالة مستمرة من اليقظة دون راحة.. هنا قد تكون آليات «ميكانزمات» منظومتك النفسية غير متناغمة وتحتاج إلى سلاسة وفواصل واستجمام

وترفيه وضبط إيقاع، والابتعاد لفترات مهمة لالتقاط الأنفاس وشَحْذ العقل

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات