غير مصنف مقال

العزول الذي يتسلل إلى العلاقات العاطفية

بواسطة
في
فبراير 3, 2023

«العزول».. ذلك الطرف الثالث، طبقا لمنطق الأغانى العاطفية، يقف متربصًا بالمُحِبَّيْن ويحاول إفساد الجو بينهما، كيف يتسلل إلى علاقة عاطفية مشبُوبة، فيطفئ وهجها، ويسرق الروح منها. افترقا دون مواعدة للقاءٍ آخر، كان الصمت سيد الموقف، وكان الخواء يملأ الأركان.

جلست على أريكتها تستمع لأم كلثوم وهى تشدو: «أراكَ عصى الدمعِ، أراكَ عصى الدمع شيمتك الصبرُ، أما للهوى نهى عليك ولا أمرُ، نعم، نعم أنا مشتاقٌ وعندى لوعةٌ»، توقفت عن سماعِ الأغنية وأدركت أنها ليست مُشتاقة.

أما هو فكان راقدًا على سريره مُحدقًا فى السقف، يدندن: «بينى وبينك سور ورا سور، وأنا لا مارد ولا عصفور»، لكنه أحسَّ بفراغٍ يملأ صدره.

إذن فأنت واقعٌ فى الغرام، وأنتما مع بعض منذ فترة، ولكن فى حاجة غلط، علاقتكما ناقصة وهناك شىء غامض وحلقة مفقودة، الآخر لا يعاملك بالقدر الذى تحبه، أو أنه مشغول عنك وأنت لست سعيدًا بالقدر الكافى، لكنك تعرف ما تريد وتتعجب وربما زهدت أو مللت، ولكن المُحيِّر فى الأمر أن العلاقة ثابتة وراسخة، ومع ذلك فأنت لست الذى تريدُ أن تكونه، وهى ليست فى المكان التى تتصورها فيه، بمعنى آخر لم تقررا الانفصال، لكنك تتعرف على أمور تجعلكما غير سعيدين، وفى نفس الوقت لست مكتئبًا أو تعيسًا وكأنك تقف فى المنتصف بشعورٍ سخيف، ولا تملك أى مقاومات لتنهى العلاقة، أنتما فى تلك الهوة تفتقران إلى قوة الحب كى تدفعكما إلى بعض، وبالتالى فلا شىء آخر يبعد أحدكما عن الآخر.

إن العلاقات العاطفية معقدة ومركبة، ففيها يصل الإنسان إلى نقطة المُحِب والمحبوب فى تلك العلاقة، لكنه لا يُحِسّ بالإشباع والارتواء والاكتفاء، لأنه يحِس بالوحدة وهو مع الآخر المعشوق والعاشق، لأن التواصل العاطفى مُعطَّل، لأن العلاقة لا تُشبع احتياجاتك الإنسانية والاجتماعية والعاطفية، أى لا تتغلغل إلى ثنايا وجدانك وكيانك، وتملأ فراغاتك وفجواتك، فتشتاق إلى ما يملأ وجدانك، ومن ثمَّ تُحِس بالتقصير وبالعجز عن فعل أى شىء، هنا ستفقد البوصلة وسيتعكَّر مزاجك مع إحساس بالضيق والاستسلام والكسل، ويبدأ اللااهتمام، ولأنك لا تملك المعلومات الكافية لتعرف ما الذى يحدث بينكما، وتجدان أمامكما حارة سَدّ بلا وضوح وعدم قدرة على اتخاذ أى قرار بشأن المستقبل.

ستُحِس بالوحدة حتى وأنتما سويًا، وهو شىء مُفزع وخطير، فإذا جلستما فى كافيه ساد الصمت وموبايل وفنجان قهوة لم ينته ونظرة خاطفة إلى نهر النيل ثم الصمت الرهيب، ثم نظرة خاطفة إليها وهى تتصفح ورقة المنيو.

وتأتى مرحلة الاشتياق والحرمان العاطفى، وعدم القدرة على توثيق العلاقة، ثم يبدأ الانحدار والانشغال بالحياة، وفجأة قد تنفجر الأمور وتحدث الأزمة والمواجهة والصراخ.

إذن لابد من الوضوح، ولابد من المصارحة، ولابد من الجلوس وجهًا لوجه، دون عُقَد أو أن يكون هناك مخزون من الألم الانفعالى، بل أن يكون هناك رصيد من العشق والمحبة، يكفى لرأب الصدع والتقدم للأمام، عليك أن تُقدِّم وأن تُضَحِّى، لأن الوقت عامل مهم جدًا، فلا تتحجج بالانشغال، ولا مجال للتفاوض أو المساومة فى موضوع الوقت الخالص والكامل والمتفرغ للمحبوب، فهذا مهم جدًا لكى تتفجر الأحاسيس وتتضح الرؤية وتتحقق الرؤى، والمشاعر والكلمات والذكريات والأحاسيس والآلام ومن ثم تتوثق العلاقة تدريجيًا، وتعود إلى مجاريها مرةً أخرى أكثر تماسكًا وقوة.

تذكَّرا أن الحب الحقيقى أعمق وأنقى من كل الظروف والمشاعر العابرة، والحب المشروط بالعطاء مقابل العطاء محكومٌ عليه بالفشل مُسبقًا، لا تنتظرا العطاء، الحب التلقائى مُتبادل بينكما بما له وما عليه.

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات