مقال

سر الإنهاك الدائم و”جواز سفر العافية”

بواسطة
في
فبراير 10, 2023

تقول سوزان سونتاج: «إن المرض هو الجانب المظلم من الحياة. إنه مواطَنَة مرهقة وشاقة، فكل شخص ولِد مواطناً فى مملكة الأصحاء، وفى الوقت نفسه يُولد مواطناً أيضاً فى مملكة المرضى، ومع أننا جميعاً نفضل أن نحمل جواز سفر مملكة العافية، فنحن مجبرون آجلاً أم عاجلاً على الأقل لفترةٍ من الزمن، أن نُعِدّ أنفسنا مواطنين فى مملكة المرض.

أصبح كوفيد-19 المُمتَدّ الأجل معترفًا به رسميًا كحالة طبية تَتّسِّم بحوالى 200 عَرَض مُحتمل، تنتشر عبر أعضاء مختلفة فى الجسم: كالقلب والرئتين والجهاز المناعى والجهاز التناسلى والدماغ، ويُعَدُّ التعب الشديد دون بذل أى مجهود يُذكر، أكثر الأعراض شيوعًا وإزعاجًا.

هناك حاجة ماسَّة لفهم تجربة أولئك الذين يعيشون مع كوفيد- 19 لفترةٍ طويلة، خاصةً أنه لا توجد علاجات طبية فعَّالة ومُتاحة حتى الآن.

هؤلاء يعيشون فى صمت مع «متلازمة الإعياء المُزمن والتهاب الدماغ العضلى ME / CFS».. وهما حالتان تتسِّمان بالإرهاق والإنهاك الشديد والمُستمر بعد أى مجهود، ولا يختفى بمجرد الراحة.

عُرِف X على نطاق واسع بأنه شاب ذو موهبة رياضية فى السباحة، بدأ مرضه عندما كان فى سن الـ16، لاحظ صعوبة النهوض من الفراش فى الصباح للمدرسة، وبدأ يتغيَّب عن الامتحانات ولم يُقبل عُذره، ثم ساءت أعراضه بعدما تم تشخيصه لاحقًا على أنه ME / CFS وهو فى العشرينيات من عمره، وضاعفت نوبة الإنفلونزا من الأمر، وأجبرته على التخلِّى عن وظيفته الجديدة، وظلَّ يُكافح من أجل العودة إلى أى نوع من العمل الرسمى، لكنه وقع طريح الفراش، واضطر إلى الإعلان «أنا مريض ولا أستطيع العمل».

عندما يشتكى الإنسان من التعب والإرهاق سريعًا ما تلحقه «وصمة التعب»، وتبدأ سلسلة بأنه «يتمارض»، ويصبح جزءًا من التحدى التعايش مع عدم وجود اختبار تشخيصى واضح لـ ME / CFS، مما يدعو الآخرين لتصور المرض على أنه «دلع« أو «مشكلة نفسية».

كُثرٌ هُم من يحاولون إخفاء أعراضهم عن طريق دفع أنفسهم للعمل قسرًا، على الرغم من الألم الشديد والإرهاق كوسيلة لتجنب الاتهامات المُتكررة لهم بالتقصير.

أثبتت الدراسات التى أجريت مع أولئك الذين يعيشون مع ME هوية اجتماعية هشَّة ومهدَّدة بالفشل، لأنهم الذين أصبحوا أفرادًا «غير منتجين» فى المجتمع.

لكن لماذا يثير مصطلح «الإرهاق» رد فعل سلبيا من الآخرين، يبتعد علماء الأنثروبولوجيا الطبية عن هذا السؤال المُحبِط، لأن فى الإجابة المُحدَّدة مشكلة خطيرة لأنه يعكس «ما هو أكثر أهمية» داخلها، فكما فى كل مكان على كوكب الأرض، تُعتبر القدرة على العمل أمرًا أساسيًا لتعريف الشخص البالغ والنافع والقيِّم، ويفسَّر الفشل فى القيام بذلك على أنه مجرد «فشل»، وهذا يعنى أن أولئك الذين يعانون من التعب الشديد لا يتحكمون فى أعراضهم، وغير قادرين على تحقيق توقعات الآخرين، ومن ثمَّ يتم الحكم عليهم من منظور وصمة العار لمرض من الصعب جدًا أن تعيش معه.

هنا تبرز أهمية تصديق هؤلاء المرضى، بل وفهمهم ودعمهم دونما شفقة أو تظاهر بالتعاطف، مع المواجدة أى الإحساس بهم فعلًا، على أن يكون الدعم طبيًا واجتماعيًا ومؤسسيًا من كافة أنظمة المجتمع.

إن «الجروبات» والمنتديات عبر الإنترنت تُساعد، وأصبح من السهل على الأشخاص تحديد مواقع ومنصّات، وتشكيل «جروبات» مجتمعات مع آخرين يؤمنون بهم، وذلك جنبًا إلى جنب مع دعم الآخرين الذين «يؤمنون بهم»، وهذا بالفعل طوق نجاة لمن لديهم ME / CFS لإيجاد طرق للعيش بشكل أفضل.

بعد ظهور مصطلح «كوفيد المُمتَدّ الأجل» والدفع من أجل الاعتراف به، ليس فقط من معشر الأطباء، لكن من العامّة فى الحياة ووسائل التواصل الاجتماعى، واحترام هؤلاء الذين يشعرون بالتجاهل، والباحثين عن إجابات حول إرهاقهم الساحق.

لا تهِنوا ولا تحزنوا وارفعوا رؤوسكم لأعلى، والتزموا بالتغذية الصحيحة مع المُكمِّلات الغذائية لترميم وتقوية الجسم والجهاز المناعى، كفطر الريشى وجذور الأشواجندا، ومسحوق طحالب البحر «الإسبيريولينا» والأوميجا 3، ولتكن الرياضة البدنية روتينًا يوميًا، تحديدًا المشى فى الهواء الطلق والسباحة ما أمكن ذلك، ومساعدة المرضى فى التعامل مع مرضهم؟ بالإنصات جيدًا وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أنفسهم، ونعود إلى سوزان سونتاج قائلةً: «أكثر الطرق صحةً هى تطهُّر المريض من فكرة مرضه، وأن يكون أشدّ المقاومين للتفكير السلبى».

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات