مقال

علاقة الأم بابنتها مسؤولية خطيرة

بواسطة
في
مارس 31, 2023

علاقة الأم بابنتها علاقة خاصة جدًا؛ فهى امتداد لها جاءت من رحمها، ورضعت من لبنها، وربّتها وعلمتها كيف تخطو خطواتها الأولى، وكيف تعيش الحياة وتعاركها.. ولكن للأسف هناك حالات تغير الأم من ابنتها وتهجرها وتقسو عليها وتنعتها بأسوأ الصفات.

رغم أهمية الأب، إلا أن الأم هى ذلك الرابط القوى فى علاقة حيوية؛ فإذا ما اتبعت الأم سلوكًا معيبًا؛ فإنها بلا شك تؤذى ابنتها فى مشاعرها وتكوينها النفسى والجسدى، ولهذا أمثلة كثيرة كالنبذ والشتم والإهانة والضرب، إلى حد أن بعض البنات يهجرن بيت الأسرة إلى المجهول.

المشكلة الكبرى حينما تفتقر الأم إلى المواجدة empathy.. أى الإحساس بأطفالها؛ فالبنات اللائى يعشن ويتربين فى كنف أمٍ قاسية لا تُعطى لديهن تجارب مشتركة، لأن نقص وفقدان الدفء الأمومى وذلك الحنان الذى يلُف البنت منذ ولادتها، أو كان هناك شكل من أشكال الإهمال العاطفى؛ فسيكون لديها نقص فى الثقة فى النفس، وتكون حريصة إن لم تكن غير قادرة على إقامة علاقة عاطفية أو إنسانية صحية مع الآخرين، وذلك يشكِّل مستقبلها بعد ذلك فى الحياة.

إن الابنة التى لا ترضع الحنان، تضطر إلى الحصول عليه من الخارج، ولا تتواصل بالنظرة والكلمة والإيماءة ونبرة الصوت مع أمها، تتناقض وجدانيًا وتحتار وتُفكِّر. وهذا ما تفتقده الأم فى علاقتها بابنتها.

إن العلاقة والتفاعل بين الأم وابنتها يختلفان حسب الأم والبنت والمناخ الأسرى، فمن الممكن أن تُعَوِّض الجدّة بعض ما تفتقده البنت.

قد تأتى هؤلاء البنات اللائى عشن فى بيئةٍ أسريةٍ مُتَصَحِّرَة باضطراباتٍ مختلفة ما بين الشخصية الحدِّية إلى الاكتئاب، وقد تتظاهر الأم بالاهتمام والرعاية، لكنها تكون مكشوفة لأنها منشغلة بذاتها، أو أن القسوة التى تلقتها هى من أمها لا تزال تعكس ظلالها على علاقتها بابنتها، ومن ثَمَّ فعلى الابنة أن تفهم وتقبل وتبدأ فى إدارة المواقف والمشاكل وحلّها خشية الوقوع فى هُواتٍ وعلاقات قد تؤدى إلى اضطرابات زوجية وفى العمل.

الأم التى لا تُثَمِّن ما تحققه البنت سواء علميًا أو عمليًا، فلا تفخر بها ولا تشاركها نجاحاتها وتعتبر كل ما تقوم به بغير ذات أهمية، والبنات اللاتى يترعرعن فى بيئة لا تقدِّر أفعالهن وتهمشهن وتُصغِّر من شأنهن.. يَكُنَّ فى حاجة دائمًا إلى الاهتمام، لأن هناك ما يعصر القلب وشكًا وألمًا وصدمة وعذابًا داخليًا.. إنه التوق إلى الاعتراف بهن وبأعمالهن وبتحقيقهن لذواتهن، يكوّن ذلك نواةً للعدوانية والغضب الداخلى؛ يُدفن فى العقل الباطن، فيصير اكتئابًا، أو يُوجَّه إلى الآخر غضبًا على الزوج المحتمل أو الصديق.

أما الأم المُتَحَكِّمَة بشدّة، فقد تتسبب فى إلغاء شخصية البنت وتحويلها إلى مجرد شىء أو طفلة لا رأى لها ولا كيان، تلك الأم ترفض أن تتحين لها فرصة التعبير عن رأيها بالمطلق، بدعوى الحفاظ عليها وعلى شرفها وعذريتها وسمعتها، مما يخلق حالة من عدم الأمان والعجز المكتسب، ويخلق امرأةً غير سوية وغير قادرة على إدارة شؤون حياتها، وغير متمكنة من نفسها ولا تستطيع اتخاذ قرارات مُهمة فى حياتها فيما بعد.

وهناك الأم غير الموجودة عمليًا وعاطفيًا، أو موجودة كشكل على الهامش، مشغولة دائمًا مع الموبايل ومع الجيران وأهلها، أو مُحترقة وظيفيًا فى عملها؛ وبالتالى تنفصل عن ابنتها روحًا وجسدًا.. وهناك الأم التى لا توجد أصلًا فى المنزل، فتتركه لمديرة المنزل أو للأب الذى قد لا يكون موجودًا أيضًا، ومن ثمَّ فلا تُوجد رعاية ولا حُب ولا وجود ولا عطاء ولا تربية ولا إشراف؛ فلا يدرى الوالدان شيئًا عن البنت وعالمها السرِّى والمُعلن.

إن عدم وجود تلامس جسدى بين الأم وبناتها أمرٌ لا يُستهان به.. أمٌّ لا تضُم ابنتها ولا تلمّها ولا تحضنها ولا تقبّلها ولا تربُت على ظهرها، تنمو البنت غير قادرة على التعبير عن انفعالاتها، ويكون البكاء كالضحك وكالصمت، وتُصبح الحياة خالية من التواصل التام لغويًا وجسديًا وذهنيًا، مما يخلق انفصامًا معنويًا ومشاعر زائفة.

إن هذا العزل والهجر يترك ندوبًا وحفرًا عميقة فى نفس الطفلة، تتحول إلى غضب وسطحية وبلادة وفقدان القدرة على العطاء، ويؤثر سلبًا على علاقتها لاحقًا بالآخرين.

ولسوف أتطرق إلى سبل إصلاح العطب فى تلك العلاقة الحيوية بين الأم وابنتها لاحقًا.

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات