مقال

الصمت المربك سلاح فعال

بواسطة
في
أبريل 14, 2023

تجربة مَرَّ بها كثيرٌ من المحاضرين والمديرين أو رؤساء مجلس الإدارة أو سياسيين فى أماكن عامة أو مُغلقة، أو فى لقاءات تلفزيونية أو غيرها، ليواجَه المُقدِّم أو المُحاضِر بتعليق سخيف، أو إهانة أو أى تعبير يخرق سلاسة المحاضرة، ويوقف المُتَحدِّث عن الكلام.

الصمت والتوقف عن الكلام هو الحل، كما فعل جوبز حينما كان يحاضر وأهانه أحد الطلاب؛ فتوقف وساد الصمت أرجاء المكان، كان صمتًا مُربكًا مُحيرًا، وليس بريئًا، هدفه تكوين تأثير معين لدى الجمهور.. إنها استراتيجية قوية يلجأ إليها الزعماء والقادة، تتبع الذكاء الانفعالى، استخدمها بيزوس مؤسس أمازون.

إنها عملية ذهنية تتطلب التركيز والصفاء والوضوح ومراجعة الثقة بالنفس وزيادتها، وتساعد على تحقيق ما تريده وقوله، وتسمح لك بأن تغوص فى الأعماق، وأن تقدم قيمة حقيقية لتساؤلات قد تبدو خرقاء.

إن استخدام الصمت المربك لا يرهق صاحبه لأن له فوائد جمة، إنه سلاح فعال يمكّنك من السيطرة على الجمهور، ويتيح لك أن تكون أكثر تأكيدا لذاتك، وأكثر احتراما للمحاضر والمحاضرة.

هذا الصمت يعنى أن تظل صامتًا أكثر من المعتاد فى ظروف ما.. إنه يدافع عنك ويحميك ويجذب انتباه المقاطعين، إنه يتيح لك استجماع قواك النفسية، ومن ثم يكون تعبيرك أقوى وأكثر حصافة ووضوحا؛ فحينما تصمت يتوقع من يسمعونك أنك آجلًا أو عاجلًا ستواصل كلامك، لكنك لن تبدأ بل ستستمر فى الصمت، ولكن إلى متى؟ كقاعدة لا يسود الصمت أكثر من 5 ثوانى، ولكن فى حالة الإهانة، من الممكن أن يصل صمتك إلى 20 ثانية أو أكثر، بحسب الموقف ونوعية الجمهور: تربيتهم وتعليمهم ودرجتهم الاجتماعية.. وما إلى ذلك.

سيُحدث الصمت حركةً داخلية وخارجية بين الجمهور، ويكون فرصة لتنظيم المشاعر والأفكار، وذلك أفضل من الاستجابة برد فعل للإهانة، أى أن التأثير سيكون ترياقًا للإهانة ولأى غضب؛ مما يجعل المحاضرة فى أفضل صورة.

إن الآخر، بكيانه النفسى ومشاعره ومنطقه، قد أعدَّ نفسه لأن تستكمل حديثك ويشتاق ليعرف ما ستفعله وما ستكمل به محاضرتك، مما يجعله داخليًا يمتنع عن تكرار ما فعله، وأن يفهم أنك توقفت عن حديثك ليس اعتراضًا على إهانته، ولكن لأنك قررت اتخاذ موقف محدد، ولكن إذا طالت المدة أكثر مما يتوقعه المستمعون؛ فسيتململون؛ لأن الصمت المُربك يسبب التبرُّم والإحساس بعدم الأمان، وتبدأ الحيرة والاستفهام عما إذا كان ما صدر يستأهل صمت المحاضر أم لا.

أن تصمت يعنى ألا تُثرثر وتثور، وعليك أن تتدرب على ممارسة الصمت فى حياتك اليومية، وفى اجتماعاتك المختلفة، لأن كل يوم تنفق فيه حوالى نصف ساعة يجب أن يتخللها صمت فى كل شىء، إن الذين يمارسون تلك التدريبات يوميًا، يُزرع داخل وجدانهم؛ فيناقشون أنفسهم، يتوقفون للحظات وكأنهم يغيِّرون المسار أو يدعون الأفكار حُرة.. ومع ذلك فالحقيقة الواضحة أن الصدمةً قد تحدث، ومع الوقت ستتفهم هذه الصدمة، وستثمن أن رد الفعل التلقائى السريع ليس مطلوبًا فى مواقف كثيرة، منها السياسية والثقافية والعائلية.. ولكن المهم ألا تكرر نفسك، وأن تتوقف بينك وبين نفسك، وتتوقف أيضًا مع محدثيك حتى لو كانوا فردًا واحدًا. وكما وصفت نجاة الصمت بــ «الرهيب» أو كما غنى عبدالوهاب «وتوقفت لغة الكلام بيننا»، إنه الكلام.. ليس بالضرورة أداةً للتواصل، لأن هناك استراتيجيات ومنطقًا وخططًا وأساليب يتخذها القادة والمعنيون بالأمر فى مختلف الجهات للوصول إلى أفضل النتائج. وكما قال نجيب سرور: «الصمت ليس هنيهةً قبل الكلام، ولا بين الكلام، ولا بعد الكلام.. الصمت يعنى الصمت».

 

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات