الحياة مليئة بالمشاكل والعُقد، ومن أجل البحث عن حلول، ربما وجدت نفسك تلِّف وتدور وتعود لتبدأ من جديد، لتصحو فى دائرةٍ مفرغة، وفى تكرارٍ مُمِلّ، لكنك لا تدع الأمر جانبًا، وتتدخل فى الحلول عوامل الإثارة والحلم، وتبدأ فى إيجاد أمور قد يكون لها طعم الانتصار، ولكن فى واقع الأمر وعلى أرض الواقع ليست مُجدية.
هذا الَّلف والدوران، وهذه الرحلة الممتلئة بلذة التخيل والتصوّر والتمنِّى، تجعلك أسيرًا لها، وهو ما اصطُلح عليه بـ«الاستمناء الذهنى».
تتصارع لرسم مشروعات أو «افتكاسات» قوية للخروج من أزمة أو محنة!، وتصرخ مثل أرشميدس: «وجدتها»، ولكنك لا تنفذها أبدًا!، وتتسابق مع زحمة أفكارك، التى تنقر رأسك كالعصفور لتظلَّ مُتيقظًا طوال الليل.
لحظة «وجدتها» تأتى فى «الاستمناء الذهنى»؛ أى بما يشبه العادة السرية، التى ترهق نفسك فيها للحصول على لذة دون نتائج؛ فتدمنها؛ فعندما تأتيك فكرة، ستقضى وقتًا طويلًا فى العثور على «الفكرة التايهة»، التى ستجعل كل شىء فى مكانه، ولأن أدمغتنا تنجذب بشكل طبيعى إلى النهايات السعيدة غير المضمونة، يكون الواقع أكثر فوضى.
ربما تبدأ حياتك التى تبدو منطقية للغاية، كتخيلك لنجاح مشروع معين، ولكن عند بدء التنفيذ، قد تختفى المتعة؛ مثلما النشوة الجنسية التى تخبو، مما يدفعك إلى متابعة لحظة «وجدتها» التالية؛ فتصبح الأمور مُرضية ظاهريًّا لأن الناقلات العصبية التى تُشعرك بالرضا اشتعلت حتى يبدأ الواقع بكل تفاصيله يصدمك.
وهكذا قد نُصبحُ جميعًا ضحايا «الاستمناء الذهنى»، الذى يزداد يشكل محموم عندما نواجه ضغوطًا متزايدة، مما يصرف انتباهنا عن مشاكلنا الحقيقية المعيشة.
ما العمل إذن؟. أولًا: ممارسة ضبط النفس، فـ«الاستمناء الذهنى» يؤدّى إلى اضطراب وعيك الذاتى، ويتسبب فى إهمال إشارات صنع القرار المُهمِّة، كالصبر والتحقق من صحة أفكارك القهرية، ولعب دور محامى الشيطان، لهذا استَعِد ضبط نفسك، وحاول تسجيل أفكارك وتأملها وفحصها والتأكد من واقعيتها وفاعليتها، ولتعتمد هذين الفعلين «سوف» و«ينبغى» لفصل الأفكار الجديرة بالاهتمام عن تلك الخيالية والتافهة، فلقد وجدت إحدى الدراسات، التى نشرت فى مجلة بحثية، أن الأفراد الذين أظهروا توافقًا أكبر بين ما يريدون القيام به، فى مقابل ما اعتقدوا أنه «ينبغى» عليهم فعله، كانوا أكثر نجاحًا فى متابعة أهدافهم الحياتية.
بمعنى آخر، ابحث عن الأفكار التى تحدد كلا المربعين: الأشياء التى لديك اهتمام جوهرى بمتابعتها، بالإضافة إلى الذى يجب عليك فعله، وتذكَّر أنه لا أحد لديه الوقت الكافى لمتابعة كل نزوة أو فكرة عابرة، عليك أن تكون انتقائيًّا فى سعيك لتحقيق أهدافك، وإلا سينتهى الأمر بك بالدوران فى دوائر مُفرغة.
ثانيًا: فلتكن أهدافك واقعية، فبدلًا من إطلاق عنان خيالك، حاول أن تدون كل الأسباب التى تجعلك ترغب فى متابعة تلك الفكرة أو ذلك الهدف، وكيف سيُضيف قيمةً إلى حياتك، وما الغرض الذى ستحققه، ثم قم بإنشاء هدف ذكى يتماشى مع إجاباتك، هدف عملى وذى أهمية لحياتك، وأن يكون تنفيذه مُحدّدًا زمنيًّا.
كشفت دراسة عن أن تحديد أهداف محددة وصعبة من الممكن أن يزيد من فرصك فى تحقيق ما تصبو إليه، من خلال تحفيزك على إنفاق المزيد من نشاطك الذهنى المُجدى، فى محاولة لتحقيق أهدافك المشروعة، وكثيرًا ما تتحقق أهداف مُحدَّدة وصعبة أكثر من تلك السهلة للغاية أو المائعة.
لا تدع عقلك يجنح بك بعيدًا، مارس ضبط النفس، وحدد أهدافًا واقعية لبدء العمل وإنهائه؛ فمن الممكن أن تكون «العادة السرية الذهنية» استخدامًا خياليًّا، وتذكَّر متى وكيف ستعود إلى أرض الواقع.