مقال

القهر والتنمر في أماكن العمل

بواسطة
في
أغسطس 11, 2018

هناك فتوة، بلطجى، فى كل أماكن العمل تقريبًا، صغيرةً كانت أم كبيرة، مؤسسةٌ ضخمة أو ورشة لإصلاح سيارات، محطة بنزين أو شركة عملاقة، هناك معلِّم، صبى مقهور وصبى مُقرَّب، هناك بلطجى يسخَر يتجاهَل، يُحقِّر من شأنك، يُهمِّش وجودك، يشتم، وأحيانًا يمُدّ يدَه ليضرب.

(التَنمُر) ليس فقط فى المدارس، ولكن فى كل مكان البيت، الشارع، والمنطقة، ليس بالضرورة أن يكون ذلك الرجل أو تلك المرأة، المدير أو رئيس مجلس الإدارة، أو أى موظف صغير، إنه أحدهم، يريد أن يعترف الجميع به كزعيم، يجب أن يخافوه، مثل زعماء العصابات، وبعض تجار السوق.

من هؤلاء الفتوَّة النرجسِى الواقع فى حُبِّ ذاته ولكى ينفخها لا بدّ من أن يبقى الآخرون فى الظلّ، أما البلطجى المُندفع، تكون أفعاله تلك ردّ فعل لحدثٍ ما فى الطفولة أو المراهقة أو بسبب الضغط والإجهاد.

أما الذى يهدد بالاعتداء الجسدى فنادرًا ما يمُدّ يده، يلوِّح بها، يضغَط على أسنانه، يُحمِّر عينيه، ويكاد يأكل ضحيته أكلًا. وهناك الذى يستخدم لسانه للتسفيه، التأنيب والتحقير؛ فهو يسعى لهدم من أمامه بالتهكُّم منهُ خاصةً أمام الآخرين.

وهناك صبى المعلِّم أو مساعد البلطجى الذى (يخدِّم) عليه، هو أو هى يفعل ذلك تجنبًا لأن يكون ضحيةً فى يوم من الأيام، لكن لا ضمان، المُتنَمرون فى قرارة أنفسهم جُبناء، صيادو فرص، ويخشون الوقوع كضحايا، العنيف ضعيف، وهناك خطٌ واه بين الضعف، تأكيد الذات وانتزاع الحق بهدوء، وبين العُدوانية.

الحياة (بيت وغيط) الأسرة والعمل، إذا كان جوّ العمل مُحبطًا مؤلمًا فإن الحياة فى البيت تكون جحيمًا.


إن انتشار مفهوم (التنمُّر)، البلطجة، الفتوَنة، يسىء إلى جو العمل، يؤثر على الإنتاج سلبًا، لأن وقت العمل الثمين يُهدَر فى المهاترات ومعارك إثبات القوة، وهذه تُسَمَّى بيئة العمل المُسمَّمة والعدوانية، بيئة تنخفض فيها المعنويات، تتشتت الولاءات، وتضيع هيبة المؤسسة.

لكن ما العمل؟ على الذى يتعرض للعدوان السلبى، بمعنى أن يتجاهله أى منهم بعدم إعطائه عملا، عدم الإجابة عن أسئلته، أو العبث بمجهوده وإنتاجه، إخفاء بريده الإلكترونى وهكذا، لابد أن نفهم دوافع ذلك البلطجى أو هؤلاء الفتوات، نفهم أن سلوكهم هذا يعُم على الجميع، وليس موجهًا ضد واحد من الناس تحديدًا، سلوك عام يتسمون به، وربما لديك ما يثير غيرتهم وانزعاجهم حتى لو هم أرقى منك وظيفيًا، مثل أن تكون هادئ الطبع، مُميزًا فى تخصص ما، تقطن منطقة سكنية جميلة، سعيدا مع شريكك، ترتدى ملابس ذات ألوان مختلفة، وهكذا.

افصل نفسك عن تلك البيئة، تجنب كثرة الشكوى حتى لا تثير رؤساءك المباشرين والأعلى منهم، لا تلعب دور الضحية، فكلما رآك البلطجى هشًا وضعيفًا ضاعف ضربه لك، تحت الحزام وفوقه، البلطجية يستهدفون المختلفين، البلطجية يعلمون أنهم فى موقف ضَعف يظُنونه قوة، إذا ضحك المُتَنمِّر اضحك معه، إذا سخر أو هزأ بك (اشكره بسخرية)، (اعمل نفسك مش سامع)، فليفهم الفتوّة وأعوانه أنك لا تعبأ بأسوأ مشهد ممكن أن يحدث، انزع الفتيل، فوِّت الفرصة، انظر فى عينيه، لا تدعهُ يرى فى عينيك انهزامًا، خوفًا أو خشية. يمكنك قهره بسلب آثار عدوانه، هذا على المستوى الفردى، لكن على مستوى المؤسسة، البنك، الشركة، القطاع، فمن المُهم أن تعمل إدارة شؤون الموظفين بعقد دورات فيها مجموعات صغيرة ومجموعات كبيرة لنزع الحساسية، بأن يجلس الكل متساوين كأسنان المشط فى دائرة ويخرجون غيظَهم، كبتهم، إحساسهم المُعلن والدفين، وعلى تلك المؤسسات أن يكون لها خبير نفسى يجلس مع من يريد بمفرده على فترات ويدون ملاحظاته عن التقدم، أو التأخر.

هناك بعض الشركات الكبرى فى مصر تقوم بعمل إرشادى نفسى اجتماعى لموظفيها على كل مستويات الإدارة بشكل فردى، وجماعى، خارج أمكنة العمل، هدفها تطوير الإنسان وتخليصه من همومه والكشف عن مصادر إجهاده، تطوير أدائه، والحرص على الوقت أغلى ما لدينا والأسهل فى هدره، مما يؤثر تراكميًا على الإنتاج.

فى النهاية لا تهاجم ولا تتراجع، انظر فى عينى مُحدثك، افتح صدرك وخذ نفسًا عميقًا، اعلم أنه لا أحد يستطيع التنمر عليك طالما (قلبك قوى).

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات