مقال

فلنفطُم أنفسنا من السوشيال ميديا

بواسطة
في
يونيو 9, 2023

وهو فى الهند.. مَسَح السندباد بيده على البلّورة السحرية، فرأى أهله فى بغداد؛ فحادثهم واستأنس بهم، والآن يحدث هذا لحظيًّا، ومعه أمورٌ أخرى فيها لعبٌ بالعقول ومضيعةٌ للوقت، وهدرٌ للطاقة الإنسانية.

أينما ولّيتَ وجهَك تجد أُناسًا يمسكون بالموبايلات من كل شكلٍ ولون، متغضِّنى الوجوه أو مُستغرقين فى قهقهةٍ عالية، منغمسون بشكل مفرط ورؤوسهم مدفونةٌ فى تلك الشاشة الصغيرة، وذلك الجهاز الشيطانى المستطيل، بينما تحترق أصابعهم ويبكون ويصمتون ويتعطَّلون ولا يفعلون شيئًا، يُسرق وقتهم وعمرهم وصحتهم منهم وهم سكارى بعشق النميمة وغيرها، أمّا الدوبامين الذى تسرقه الشاشة الزرقاء تباعًا؛ فيصيبهم انحساره بالتوتر والاكتئاب والأرق وعدم القدرة على الحب أو الإنتاج؛ ناهيك عن تسبب السوشيال ميديا فى خراب بيوتٍ كثيرة، وفى إشعال جرائم وصراعات وسوء فهم لا بديل له؛ فهل آن الأوان لكى نفطم أنفسنا من السوشيال ميديا؟، ونتخلص من سمومها؟.

قد تستغرق معظم عمليات التخلص من السموم على السوشيال ميديا 30 يومًا، لكن بعض الأشخاص يقومون بذلك فى 7 أيام، وقد تصل المدة إلى سنة.

مثاليًّا.. تستطيع أن تقضى تمامًا على استخدام السوشيال ميديا واستهلاكها، ويعنى هذا حذف جميع تطبيقات الوسائط الاجتماعية، وفى بعض الحالات.. حينما يكون ذلك ممكنًا، تُعطِّل حساباتك مؤقتًا deactivate.

إذا كنتَ قد شعرت بأن السوشيال ميديا قد استحوذت على حياتك، وشغلت بالك، أو إذا وجدت نفسك باستمرار وبتلقائية فيها إدمان تصل إلى موبايلك لتحتضنه، فهذه علامةٌ على أن الوقت قد حان للاستراحة.

وقد تسألنى أو تسأل نفسك: لِمَ أبتعد؟، لأكثر من سببٍ؛ فلتُصفِّ ذهنك وقلبك، وتتخلص من سموم القيل والقال والنكت السخيفة، والصور الإغوائية والفيديوهات الخارجة والدعوات المُضلِّلَة.

لقد انغمست فى هذا العالم الافتراضى عبر الإنترنت، بألوانٍ زاهية وفلاتر خادعة لعارضاتٍ ومؤثرين، ونسخة مزينة من حياتهم فى شكل صورهم وكلامهم، وكذلك عناوين الأخبار المُصمَّمة لإثارة كل رد فعل عاطفى ممكن، هنا تكمن الكارثة التى تدق فى عنف أبواب صحتنا النفسية، إنها فوضى لا داعى لها، وطعامٌ إعلامى مؤذٍ، يهدد استقرارك وراحة بالك وهدوءك.

فلنُقَنِّن استخدامنا، ولتتخيل معى مقدار الاستخدام الأفضل لوقتك وطاقتك الذهنية، التى من الممكن تسخيرها فى أشياء تهتم بها فعلًا، إن أخذ استراحة من السوشيال ميديا فرصة للتراجع وتقييم ما هو أكثر أهمية فى حياتك، ولما هو استخدامٌ أفضل لوقتك الثمين، وقدراتك النفسية الهائلة.

استعِد السيطرة على عاداتك الديجيتال، وتحكم مرةً أخرى فى موبايلك بدلًا من أن يتحكَّم فيك، وانتبه، فلقد تم تصميم تطبيقات ومواقع الوسائط الاجتماعية لتجعلك مدمنًا على حلقات الملاحظات والإشعارات وlikes والإشباع الفورى الذى تمنحك إياه؛ ففى كل مرة تقوم فيها بسحب الشاشة لأسفل والتحديث، تأمُل أن يكون هناك جديد يُحفزِّك، وعندما يكون هناك إعجاب أو تفضيل أو تعليق جديد، فإنك تحصل على القليل من الدوبامين وهكذا تبدأ الدوامة؛ ففى كل ساعة حول العالم يتم تحسين هذه التطبيقات والمواقع الإلكترونية من قِبَل علماء السلوك والنفس، الذين عيّنتهم شركات التكنولوجيا هذه لإبقائك على تواصل مع تطبيقاتها.

لماذا؟، لتستمر فى العودة والبقاء على منصاتهم لفترة أطول، وكلما طالت مدة بقائك على نظامهم الأساسى، وكلما استمررت فى العودة، زاد عدد الإعلانات التى يمكنهم تقديمها لك، وكلما زاد عدد الإعلانات التى يمكنهم تقديمها لك، زادت الأموال التى يمكنهم جَنْيها منك. إن الأمر لا يتعلَّق بربطك بالناس، بل بإبقائك أنت وعقلك مدمنين، إنها تصل إلى نقطة أن يُصبح الأمر قهريًّا.

تَخيَّل مساحة الحرية والراحة والصفاء، التى ستجنيها حالما تحكَّمت فى موبايلك.

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات