مقال

تهدِئةُ الصَدْمة.. المُخ وقلبُه الديناميكى

بواسطة
في
يوليو 7, 2023

إذا صوّب قناصٌ أمريكى فى العراق بندقيته على طفلٍ يسير بسرعةٍ، وأرداه قتيلًا مدفوعًا بالخوف والرعب من المقاومة وتغييم وعيه بهولِ المعركة، لعاش القناص وشهود العيان وأهل الطفل كرب ما بعد الصدمة PTSD أمدًا طويلًا؛ وكذلك مَن عاشوا هَوْل الزلازل، ومَن يعايشون الحالات التى تقضى نحْبَها فى غُرفِ الرعايةِ المُركزّة، وفى خِضَّم المعارك.

ساعدَت الأشعة الحديثة كالرنين المغناطيسى MRI العلماء على تحديد كيفية تأثير الصدمة على المخ، وعلى تحديد المناطق المُصابة فيه؛ فعند مقارنة صور الدماغ بين أولئك الذين يعانون اضطراب الصدمة والناس العاديين؛ نجد ثلاث مناطق أكثر تضررًا: «قلب المخ المعروف بـ Limbic System الجهاز الجدارى، وتحديدًا فى ذلك الجزء المعروف بالأميجدالا Amygdala ومنطقة Hippocampus الخاصة بالذاكرة وتنظيم الانفعالات، وما تحت قشرة المخ Prefrontal Cortex».

يختلف التأثير بحسب نوع الصدمة التى يتعرض لها المُصاب، وعمره وقتها، والزمن الذى استغرقته الصدمة، وعمّا إذا كان يتلقَّى دعمًا أم لا.. كل تلك العوامل من الممكن أن تلعب دورًا فى تغيير آثار الصدمة على الدماغ.

تتراوح أعراض كرب الصدمة ما بين فرط اليقظة، أى يكون فى حالة تأهب مفرط، ويُحس بأنه على حافة الهاوية حذرًا من المخاطر، ويجْتَرّ التجارب المؤلمة التى حدثت له فى الماضى، وقد يعانى القلق المفرط، والتهيُّج، وصعوبة التركيز، وأحيانًا يشكو أعراضًا جسدية مثل تقلصّات الجهاز الهضمى لارتباط تلك الأعراض بفرط نشاط الأميجدالا، ونوبات الهلع التى تحدث فى ذروة الاستجابة للمواجهة أو الهروب، وتجنُّب القلق والمواجهات.

أما التأثير على منطقة الـ Hippocampus فيرتبط بالاكتئاب أكثر نظرًا لتأثيره على تنظيم المشاعر، وينطبق هذا على الناجين من صدمات الطفولة، الذين هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بثلاث مرات من غيرهم، ومن الأعراض اضطراب الإعياء المزمن، مما يجعل المصاب أكثر انزعاجًا أو إرهاقًا، حتى عندما يواجه مشاكل بسيطة، كما ترتفع نسبة الكورتيزول فى الدم، مما يُضعف جهاز المناعة، ولقد أظهرت الدراسات أيضًا أن صدمات الطفولة تزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بحالات مزمنة مثل السكرى وأمراض القلب واضطرابات المناعة الذاتية، وتنخفض قدرة المصدوم على إدارة حياته بحلوِها ومُرِّها بطرق صحية.

أما الصدمات العاطفية فتكون بسبب الانخراط فى علاقة سامة ومُسيئة من آخر، بحيث لا يتمكَّن المريض من البوح بما يعانيه ويعانى الخرس العاطفى، أو وجود مَن لا يحترم حدوده، أو أن يكون فى علاقة متقطعة تجعله يشعر بالاستنزاف، أو تكون هناك ديناميكية فيها صدّ وإقبال وشعور بعدم الأمان، أو إحساس بخطر احتمالات الخيانة، خاصةً إذا وقع المريض فى حبائل شخص مصاب باضطراب الشخصية الحِدّية.

وقد تؤدى صدمة العلاقات إلى الانعزال والعزوف عن أى علاقة أخرى، أو القفز من علاقة إلى أخرى لأنهم لا يريدون أبدًا أن يكونوا بمفردهم، قد يقع المريض فى دائرة من الحزن والقلق، لكن الخروج من منطقة الراحة الخاصة، وبدء أنشطة ممتعة، مسارٌ صحىّ للشفاء من الصدمة، كما أن للأنشطة الإبداعية والتعبيرية كالرسم والغناء والرقص دورًا كبيرًا فى التحرر من الأفكار والمشاعر السلبية.

ولتهدئة تلك المناطق العميقة من الدماغ، يستخدم المُعالج الاسترخاء الذهنى والجسدى، مع التنويم الإيحائى والتأمل، مع ضرورة اتباع نظام حياتى مختلف يكون فيه النوم منتظمًا وعميقًا، مع ممارسة الرياضة، خاصةً المشى والسباحة؛ وكذلك تناول المُكمِّلات الغذائية تحت إشراف الطبيب، والتغذية، والتهوية السليمة، مع الابتعاد قدر الإمكان عن المُنغِّصات والصدمات، مما يساعد على إعادة تدفق الأكسجين والدم إلى الدماغ حتى نتمكن من البدء فى تهدئة الجسم والوصول إلى المناطق العليا من المخ.

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات