من يمسح دموعك؟
لبكاء نعمة ورحمة، ومَن لا يتمكن من البكاء يعانى كثيرًا لأن كل المشاعر والانفعالات تُحبس فى داخله، القدرة على البكاء تستطيع أن تحررك من مكتوم الحزن والألم، سواء كان عضويًّا أو نفسيًّا، أو عند فقد عزيز وهو أسوأ بكاء، يصحبه أنينٌ فى الليل، مع كوابيس أو أحلام تتعلق بالفقيد أو بمراحل من حياتك معه.
إن دموع الفقد جزءٌ أصيل من عملية الحداد والحداد المرضى، تبكى لأنك قد تُركت وحدَك، وأن الفقيد قد تركك للدنيا وحالها، وحتى فقد قطك أو فقدان وظيفة أو منصب أو مكانة اجتماعية، كلها لها سمات مشتركة أهمها الحزن النبيل والقدرة الشفيفة على البكاء.
فقد العزيز يُعَدُّ أكثر الأمور جللًا، تُذرف فيه الدموع وينهمر المرء فى نحيبٍ لا يتمكن من إيقافه إلا هنيهة، مما قد يعطِّل نشاطاته اليومية.
يعبر البكاء عن كثير من الانفعالات، ولكن هناك مَن يخبرك بأنك رجل؛ فلا تبكى، حتى لو كنتَ غلامًا، وإذا كنتَ حساسًا ذكيًّا؛ فقد تبكى فى الفرح وفى الانفعال والغضب والإحباط والحزن.
ستُحِس بأنك أفضل بعد نوبة نحيبٍ قوية لأن البكاء يُحرر مادة الإندورفين، أى الأفيونات الطبيعية، مما يُخفض درجة الإجهاد الجسدى والنفسى.
يبكى الرضيع لأنه لا يملك الكلمات، التى يُعبر بها عن ألمه أو احتياجه أو جوعه؛ فإذا كان الطفل يحتاج إلى غيار أو يعانى مغصًا يبكى، وحينما تشتد بك المحن، وتُحِسُّ بأنك مضغوط أكثر من اللازم ولا تستطيع التحمُّل أكثر من ذلك، ويقهرك الإحباط فى موقف ما؛ فإنك قد تبكى تنفيسًا عن انفعالاتك.
فى بعض حالات الاكتئاب تخرس العواطف ولا يستطيع المرء التعبير عنها إطلاقًا؛ فيصمُت وينكفئ على ذاته، أما البعض الآخر الأقل حدة؛ فيستطيع البكاء من شدة غلواء الاكتئاب وقسوته، وتمكنّه من أحشائه وخلايا مخه العصبية؛ لذلك من المهم أن تحاور مختصًّا فى الطب النفسى أو معالجًا نفسيًّا، وغالبًا فى جلسات التحليل النفسى ما تُذرف الدموع، وكثيرٌ من الأطباء تكون لديهم المناديل الورقية على مرمى حجَر من المريض، يلتقطها ليجفف دموعه التى لا تكف عن الانهمار، وبالتالى فإن مشاعره وانفعالاته تقود الطبيب إلى خطةٍ علاجية صائبة.
كثيرًا ما نرى لاعبى كرة القدم فى أرض الملعب، وعندما يُصابون إصاباتٍ بالغة تصل حدّتها إلى شدة البكاء المصحوب بحركات تدل على عدم القدرة على التحمل، وكذلك نرى دموعًا كثيرة بعد الفوز تلتقطها الكاميرات من مدرجات المشاهدين، والألم الجسدى يكون علامةً ضرورية وصحية حتى يستجيب المسعفون بالعلاج اللازم وتشخيص الحالة.
البكاء يُخفض نسبة الكورتيزول فى الدم، ومن ثَمَّ يُرطِّب الجسم، وكأنك تروى خلايا جسمك العصبية والجسدية بدموعك، مما يمنع الإجهاد والحزن والألم، ويحسِّن مزاجك.
دموع الفرح قد تتشابه شكلًا مع دموع الحزن، لكن الفرح يفرز دموعًا لها طعم خاص، وعندما يسلم أب ابنته إلى زوجها فى الفرح، أو عندما تلد الأم طفلًا تعطيه لها المولدة كى تراه وتقبله.
تنهمرُ الدموع عند المواجدة، أى عندما تُحس بالآخر إحساسًا قويًّا، أن تفهم ما يدور فى قلبه وحوله وما أمامه وما يعترض عليه وما يمُرّ به من أحزانٍ وآلام.
إذا حبست دموعك فى مآقيها؛ فقد تعانى لسنوات، وتسوء حالتك النفسية؛ فالبكاء ليس دلالة ضعف، ولكنه علامة قدرة على البوح وتصريف المشاعر. عندما تحبس دموعك، قد تُحِس بالكبت والضيق والألم. بعض الناس يعتقدون أن البكاء ليس للرجال، وينهرون أبناءهم إذا بكوا. فى هذا خطأ عظيم؛ لأن البكاء استعداد نفسى إنسانى يختلف من إنسانٍ إلى آخر.