مقال

النفْسُ التى تجْثو على ركْبَتَيْها

بواسطة
في
يوليو 21, 2023

يقول فيكتور هوجو: «هناك لحظات تكون فيها النفس جاثية على ركبتيها مهما كان وضع الجسد»، ويقول أحد الذين مرّوا بتجربة الصدمات المُتتالية: «أعتقد أن أثر الماضى، والضرر الحاصل فى الدماغ لن يختفى وسيظل حتى نهاية الحياة، والأمل هو خلق مسارات إيجابية موازية وممتعة وهادئة، أعرف أنها ليست بدائل، ولكن سيكون علىَّ فى كل مرة الاختيار، هذا سيكون انتخابًا يوميًّا، نعم إنها 365 يومًا معركة مع عقلى كل سنة، إنه أمرٌ شاق ومُجهد ومؤلم، لكن طالما أنه الطريق المُتاح فسأسلكه».

وتُخبرنا المتخصصة النفسية الإكلينيكية مرام ناصر بأن: «الصدمات النفسية أحيانًا ما تكون أقوى تأثيرًا وعُمقًا وتكون متجذّرةً مع الوجدان الخاص بالشخص، مما يجعل التحرر من أثرها تمامًا صعبًا، ومع أن التحليل النفسى مفيد جدًّا للمُصابين، ولكن أحيانًا ما يتضاءل تأثيره، لهذا لابد من إدخال العلاج بالقبول والالتزام لأنه يساعد على قبول حقيقى وواقعى، مع الالتزام بأهداف ورؤى وقيم يؤمن بها المصدوم.

مما يجعله مع الوقت يُحس إحساسًا جديدًا، وكأنه يعيش كل يوم بشكل جديد ومرحلة جديدة، على عكس السابق عندما كان حبيس أنقاض أزمته السابقة، ونلف وندور ونعود لفرويد وحديثه عن أن أول خمس سنوات من عمر الإنسان تلك الحساسة التى يكون تأثير صدمات الطفولة فيها أعمق وأشدّ ضررًا».

إن الثبات الانفعالى يأتى من الإيجابية والسلاسة والمرونة، والقدرة على الانحناء والسقوط أرضًا، ثم النهوض بكل شحنات القوة والعزيمة والإصرار كلاعب الجودو، وأيضًا الالتزام والصرامة؛ ولهذا لابد من وجود منظومة تفكير إيجابية قوية؛ لبناء فكر خارج الصندوق فيه عزيمة وإصرار، وفى نفس الوقت يجب أن تقبل بأن هناك أفكارًا ونقاط ضعف كثيرة، قد تكون موجودة
فى مسيرة حياتك.

لا تسعَ إلى الكمال، ولا تلومَنَّ نفسك كثيرًا لأنك إذا قبلتها فأنت تسير فى المسار الطبيعى، وتحاول أن تتغلب بالإيجابيات على السلبيات؛ فكل موقف سيعلمك كيف تجد حلولًا لما أدّى إلى المشكلات الجَمَّة.

ستعرف نفسك وستدرك نقاط القوة، وستبدأ الرحلة بخُفّين وجلباب وزاد وماء، تناضل حتى تصل إلى الوادى وتبدأ فى صعود الجبل، ستأخذ طريقك على الأقدام، وستُراجعُ ذاتك وتُقَيِّمها بين الحين والآخر دون جلدها، وأن تدرك ذكاءك العاطفى وموهبتك الأصيلة التى ستتملكك وتساعدك.

هناك عادات لابدّ أن تستثمر فيها، وألّا تدَع السَقَطات والمواجهات العنيفة تفُتّ فى عضدك لأنها ستُقويك لتواجه التحديات مواجهةً صريحة، واستعِدّ لها بالقوة الذهنية والثبات العاطفى والتوازن النفسى. يتحسن أداء بعض الناس فى أعقاب الصدمات، خاصةً إذا وجدوا عملًا يعود بالفائدة على الآخرين، بأن يُساعدوا المقربين منهم، أو العمل فى مجتمعهم الأوسع أو مع ضحايا أحداث مشابهة لتلك التى عانوا منها، بدأت اثنتان من الأمهات أعرفهما فقدت كل منهما طفلًا.

مؤسسة غير ربحية لمساعدة عائلات الثكلى على التواصل مع الآخرين الذين فهموا حزنهم، وبعد أربعين عامًا، ازدهرت المنظمة تحت قيادة الأشخاص الذين واجهوا خسائر مماثلة ويريدون مشاركة القوة التى اكتسبوها، هنا يكون التغير من الأعماق، ويعنى أن بإمكانك التغيير للأفضل.

يُمكنك اختيار الجلوس فى ركنٍ هادئ تمضغُ أحزانك، أو أن تنهض لتقف مرفوع الرأس مرةً أخرى؛ فبعد كل تجربة أليمة، يظل الإنسان بمنظومته النفسية والمناعية فى حالة تأهب دائم، كما لو كان الأسوأ قادمًا لا محالة، لكن توجد بصمة زمنية للصدمة، ولا توجد صيغة مُحَدَّدة لإدخال نفسك فى تجربةٍ ما للانتقال من حالة الرعب إلى الشفاء، فلتكن صبورًا، وخُذ مساحتك، وستكون نتائج رحلتك بلسمًا لجروحك النافذة.

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات