لياقة المخ والزواج المحرم

إذا اجتمع الاكتئاب والتوتر فى تشخيصٍ واحد فى إنسانٍ واحد؛ فهذا زواجٌ مُحرَّم، لأن المسألة ذات خطورة عالية، لهذا لا يزال هذا التشخيص محَلّ أخذ ورَدّ بين الجهات العلمية الطبية النفسية.

اضطراب الاكتئاب والتوتر والقلق مُجتمعيْن هو ذلك التوتر والاكتئاب بكل أعراضهما وشدتِما، وعلى الرغم من أن التشخيص قد يكون متشابهًا فى كلٍ من الاكتئاب والتوتر؛ فما بالك لو كانا مجتمعين فى تشخيصٍ واحد.

الأعراض ليست كما فى أعراض الاكتئاب بمفردِه، ولا كما فى أعراض التوتر بمفردِه، وإنما مزيجٌ معقَّد بين الاثنين، كمزاجٍ مكتئب ومنزعج ومتكرر، وتوتر وخوف مع اضطراب فى التركيز والذاكرة والنوم، وإحساس بالإعياء والتعب والإنهاك والإرهاق وانحسار الطاقة، وأحيانًا البكاء بسهولة، والإحساس بالعدَم والعجز والتشاؤم وعدم الثقة بالنفس وتمنى الموت.

ويجب ألا تكون الأعراض بسبب أى نوع من أنواع الدواء أو بسبب مرض عضوى، وأن تكون الأعراض كافية لأن توقف مسار الحياة اليومية الطبيعية؛ ومن ثم فإنه ليس من السهل أن تجد فى إنسانٍ واحد كل هذه الأعراض مرةً واحدة، ولكن بالفعل هى موجودة.. ولكن يجب الحذر، لأن الاكتئاب به أعراض توتر وقلق، إنه زواجٌ مُحَرَّم يؤثر على بِنْيَة المخ ووظائفه من إدراك ومعرفة وذاكرة وأداء مهام يومية واتخاذ قرارات.

العلاقة بين «الاكتئاب والتوتر والقلق» علاقة غريبة وجدلية، ثنائية الاتجاه، وإنها كذلك علاقة ثلاثية بين «الاكتئاب والقلق وتدهور القدرات الذهنية»؛ فالتوتر والاكتئاب متضَافران مع عوامل أخرى يؤدون إلى تدهور القدرات الذهنية، كالإدراك والمعرفة والتركيز والانتباه.. ويحدث هذا حتى فى الأطفال، ويظُن الشباب أنهم قد أصيبوا بالألزهايمر، وهذا ناتج عن اضطراب المسارات العصبية، وتَعَكُّر بحيرة كيمياء المخ العصبية، لأن الفوضى عَمَّت التنظيم الوظائفى للمخ، ولأن العلاقة بين مُكوِّنات المُخ الحساسة مركبة ومعقَّدة ولها أوجه كثيرة، وتؤثر على الإنسان وعلى مجرى حياته ووظيفته ووجوده وبيته وعلاقته بالآخرين.. إنها مسألة حيوية ولها ميكانزمات كثيرة.

حجَر الأساس فى الموضوع هو أنه لا توازن ولا انضباط فى عمل المُخ، لكنّ هناك خللا فى الخلايا العصبية، مما يؤدى إلى الاكتئاب والتوتر والقلق واضطرابِ الناقلات العصبية مما يؤثر على فاعلية المخ وصلابته، فيهتَزُّ الذهن، ذلك الذى يعمل ليل نهار، «وأنت نائم وأنت صاحى، وأنت تمشى وأنت ساكن».

إن الاضطراب الذى يعترى أجهزة المخ الأساسية نتيجة الاكتئاب والتوتر والقلق يؤدى إلى اختلال الذاكرة والإجهاد العصبى والجسدى الشديد، وتُعَد غُدّة الــ Hypothalamus والغدة النخامية Pituitary والمحور الرابط بينهما، الذى يضم كذلك الغدة الدرقية، مما يؤثر على ضَخّ الهرمونات وتنظيمها، مما يرفع هرمون الإجهاد Cortisol الذى بدوره يؤثر سلبًا على منطقة حصان البحر Hippocampus وعلى مناطق كثيرة من المخ تتعلق بالتعلُّم والراحة والمزاج والتفكير.

ومن ثمّ تبدأ نشاطات المخ كلها فى الهبوط، وتؤثر عكسيًا على منطقة الــ Amygdala وقشرة المخ الأمامية وما قبلها.. وتبدو هنا الحاجة مُلِّحة لعَمَل أكسدة للجسم، وعلاج الالتهابات التى تحدث فى خلايا الجسم نتيجة التغذية السيئة ونمط الحياة الغريب والمُهمِل الذى يؤدى إلى تدمير وتخريب خلايا المخ العصبية، وتعطيل المسارات التى تأخذها الموصِّلات والمستقبلات؛ مما يؤثر على المخ ونشاطه ويؤدى إلى تغييرات فى المزاج.

أما العوامل النفسية التى تلعب دورًا فى الموضوع، فتكون معروفة مثل الفقْد.. كفقد وظيفة، أو رحيل إنسان غال، كما تلعب المُورثات «الاستعداد الجينى» والإصابة بمرض عضوى كالسكر أو الضغط أو القلب أو التهابات المفاصل والعظام وكل ما يُؤثر على الحركة واللياقة البدنية، وبالطبع الأمراض المُزمنة والخبيثة التى تطول الكبد والكُلى وغيرهما، وكَمّ الأدوية الهائل الذى يتناوله المريض يوميًا، مما يُؤثر على مسار ونمط الحياة وجودتها، كذلك العوامل الأسرية ومدى الدعم الإنسانى والاجتماعى والمادّى وضغوط نفقات العلاج فى دولٍ فقيرة.

المُهم التعرُّف على المفاتيح والمؤثرات والمُنذرات، وعلى كل ما يمكن أن يتسبَّب فى الإصابة بثالوث «الاكتئاب والتوتر وانحسار الكفاءة الذهنية»، مما يحدونا إلى العلاج النفسى الشامل بالتداعى الحُرّ وتقوية الأنا، التعرُّف على مُسممات الخلايا العصبية، كالبيئة الملوثة ضوئيًا وإنسانيا وفنيًا وسمعيًا، وكالتدخين وتعاطى المخدرات وإدمانها، والسهر واحتساء الكحول.. علينا باللياقة البدنية من خلال الرياضة والسباحة والمشى والتغذية الصحية والهواء النقى وسماع الموسيقى.. وأمور أخرى، منها العطاء والحُب والارتقاء بالمشاعر والذوق العام.