مقال

الازدهار بعد الصدمة

بواسطة
في
يوليو 14, 2023

بعدما تقبل ما حدث، أى تدرك أنه ليس لك يد فيه، مما مرَّ بك من آلام ومحن، ستتعرف على قوتك الداخلية، وستكشف مسارات جديدة فى حياتك وعلاقاتك، وستبدأ فى تثمين نوعية حياتك وتطويرها، وفى الإحساس بالعرفان والجميل لكونك فى تلك الحياة، وأن تفهم أن الحياة حلوة لمَن يفهمها، على الرغم من الفقد والكوارث وفقدان الوظائف والإجهاد الجسدى والنفسى، والتوترات الاقتصادية والأمراض العضال وحوادث الطرق وغيرها؛ فعلى الرغم من البؤس الذى قد مرَّ على بعضنا بعد كوفيد- 19، فلقد تعلمنا الكثير، وإن كان بطعم الحنظل.

بعد الصدمة ستحاول التعرف على ماهية تلك الصدمة، التى أحدثت خللًا كبيرًا فى رؤيتك للأمور، وستختلف الرؤى من المنظار التى ترى به الأشياء؛ ففى خلال كوفيد- 19 معظمنا ظن البعض أنه بعيد وآمن وأن ظروفنا الاجتماعية والاقتصادية قوية، وأننا سننحنى للعاصفة كى تمُر وسنُبحر بشكل عادى فى الحياة، ولكن ما حدث غير ذلك؛ فلقد فقدنا أحباء كثيرين وعانينا كثيرًا، وبالتالى تغيَّرت نظرتنا للأمور وللوجود وبدأت تأخذ شكلًا آخر.

عندما نبدأ فى مجادلة المُسلَّمات، سيبدو الأمر مشوشًا ومُخيفًا.. ومن ثَمَّ ستبدأ فى التفكير بشكل مرتبك ومتوتر، وتستعرض فى ذاكرتك ما حدث، وتتساءل: مَن الذى تحكَّم فى الأحداث وقتها؟، وتجد نفسك مُضطرًا إلى إعادة التفكير فيما حدث وفيمَن حولك وكيف استجابوا للصدمة، وتبدأ فى إعادة تقييم حياتك كلها ولبلدك الذى تعيش فيه، ومدى إمكانياته، وما الذى يمكن أن يحمله المستقبل، وسيكون هذا مؤلمًا جدًّا، لكن التغيير سيحدث داخلك وخارجك، ستفهم وتتعلم أن الأشياء ليست ثابتة، بل تتحرك، وأن الحقيقة المُرَّة والحلوة تكمن فى جوهرة فى صدرك أو قلب أخيك.

كانت امرأة مكتئبة فى السبعينيات من عمرها، ترعى أمها التسعينية، ومنذ كوفيد- 19، فإنها لم تخرج من بيتها، وتوقفت عن شغفها، لكنها فى جلسة علاجية حدّدت الظروف والمتغيِّرات، وبدأت فى إعادة تقييم نفسها وكينونتها، والأولويات المقدَّمة لها، وكيف ستستثمر فى حياتها بدلًا من الجرى فى المكان، وأن تقبل بمحدودية واقع تقدم السن واختلاف الظروف.

مع الأزمات من الممكن أن نقوِّى أنفسنا، ونتعرف على الإيجابى والسلبى، وأن نبدأ فى تخيُّل كيف نعمل وكيف نحرك الأشياء وكيف نتعامل من أجل أن تستمر الحياة بشكل سلس، بمعنى أن نكافح وأن نناضل وأن ندرك ونعِى وأن نواجه المُشكلات، وأن نعانى الإحباط وأن نستنبط ونطوِّر.

إن تنظيم المشاعر والانفعالات Emotions Regulation من أهم الأمور لوضع إطار للعقل، الذى يُحدّد نقطة التحرك فى مُحيطك، ومواجهة ما يستجد من أمور مفاجئة فى الحياة، وستبدأ بالتعرُّف على مناطق الضعف والقلق، والإحساس المُضَخَّم بالذنب والغضب، بالتركيز على تحويل آثار الصدمة إلى مشاعر إيجابية، واختبار الاحتمالات وانعكاسات ذلك.

ستدرك بعد الصدمة أن انعكاساتها ستظهر فى وقتٍ ما، لكن ستشفى وستكون كالجذر الذى يبزغ من بطن الأرض نباتًا يُزهر ويترعرع وينضج كما تنضج أنت.

سيكون هناك الإيجابى والسلبى بعد مرورك بتلك الصدمات فى مسيرة حياتك لأنك ستكتشف أماكن واحتمالات جديدة، وأن ذلك الازدهار والنمو سيحدث بشكل طبيعى؛ فكما للنبات كما لك، ستتعلم أن تُعيد التفكير فى نفسك وما مرَّ بها، وسترى العالم بعينٍ واسعة، وستستشرف المستقبل، وستعمل على تنظيم مشاعرك وانفعالاتك بالتحكم فى السلبى منها، أما الكَشف فسيكون بالبوح بما حدث ومدى أثره عليك، ثم تتطوَّر.. مسيرة ستسردها كما لو كنت تروى رواية، وربما غلَّفت قصتك الصادمة بالأمل، كما قصص العظماء الكثيرين، وستجعل ما مر بك يُيسِّر لك مجال إنجازاتك وتحقيق ذاتك.

TAGS
RELATED POSTS
خليل فاضل
القاهرة، مصر

كاتب ومحلل نفسي، قاص وروائي، يعالج بالسيكودراما الحديثة في مصر، له مقال أسبوعي كل يوم جمعة ينشر في صحيفة المصري اليوم، كما تشهد له قنوات اليويتيوب بعديد من اللقاءات السخية نفسية واجتماعية، كما أنه يمارس مهنة الطب النفسي منذ حوالي 41 سنة

بحث
أحدث التعليقات